
متابعة عبدالله القطاري من تونس
تركنا البلد
دون أن نُشفى بعدُ من حبّه
ومن عبق العشق في دربه
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
وصمتَ الوقوف بأبوابه
وزخرفة من وعود
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
ولكنّه ظلّ ينخرنا للأبد
فليس بوسع المسافر أن يزرع وطنا غيره
⃰⃰⃰⃰
كان لابدّ أن نسكن في بقايا الرحيل إلى الذاكرة
ونستنبت الفلّ والياسمين
وزيتونةً
وداليةً للعنبْ
⃰⃰⃰⃰
كان لا بدّ أن نسكن في نُخاع البلدْ
ويلتبس وجهُهُ بالرغيف وطعم السباتْ
ويصطبغ لونه بالرحيلْ
⃰⃰⃰⃰
كان لابدّ أن ننحر الشوق عبر المواني
وأجنحة الطائراتْ
وقرع خطانا على الأرصفة
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
تركنا حُطام أحلامنا
تركنا عويل الرياحْ
سماسرة يجلدون الصباح
قد وأدوا ما تبقّى من الحُلُمِ
واستأصلوا شعلة من زهور الأمل
⃰⃰⃰⃰
تركنا، حين تركنا البلاد،
وجوها مدجّجة بالكفاحْ
تلامس أشواقنا
وتلتمس الصبر حينا
وتستسلم للغياب
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلاد
نسجنا من الحبّ خيطا رقيقا
يشدّ رِحالَ الحنينِ إلى وطنٍ
ظلّ يسكننا للأبد
نسجنا جسورا معلّقةً في الكلامْ
عسانا وإن طال عنّا الغيابْ
نعود لأحضان هذا البلد
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلدْ
تركنا صرير الرياح
تطرق أبوابَ صمتٍ
ونافذةً للكلامْ
تركنا السهول
تركنا البحار
وأجمل ما في الخيال
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
حملنا الجسد
ونصف الرغيف
وذاكرة متعبة
ولذنا جميعا بحبّ البلد
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
شبابيكه المتربة
حرارة شمس أوسّو
أسمارنا والقمر
وأنغام ناي “بوديّة”
وإيقاعَ طبلٍ
يلهب أقدامنا في ليالي أغشت
حين يقوم “أبو السعد” بين الصفوف
ليرسم لوحة أغلاله الراقصة
⃰⃰⃰⃰
تركنا البلد
مشموم فلّ والياسمين
وشوشة الشاي وهي تفيض
تَلمَّظُنا
فتخمد لفح نيراننا
⃰⃰⃰⃰
أحدّثكم
حين تركنا البلد
عن أطايبه
روائحه الفائحة
وتغريدة للبلابلْ
بأعمدة الكهرباء
⃰⃰⃰⃰
أحدّثكم عن جنائننا في الربوعْ
وما يستطاب به عيشنا
عن السمك حين يقلى
ونشنشة الزيت
ورائحة الجمرات
وزهر القرنفل
رَوْحِ الرياحين وسط البلد
⃰⃰⃰⃰
أحدّثكم عن جمال الجزر
مراكب صيد تنيخ وترسو
على ساحل العاشقين
⃰⃰⃰⃰
أحدّثكم بأخبار واحاتنا والصحاري
عراجينها الصاخبة بلون الكرم
وما تشتهي الأعين
وما تندر الألسن
⃰⃰⃰⃰
أحدّثكم عن أطايب هذا البلد
عن سلال العنب
عن التين والبرتقال
⃰⃰⃰⃰
تركنا أطايب هذا البلدْ
وما فيه من رغدٍ
حين ضاق بنا
وصار يخنقنا للأبد
ويخنق أحلامنا
ويكتم أنفاسنا
ويمنع عنّا الهواء
حين صرنا… عبيدا بهذا البلد
هو لم يتغيّر
ولكنّنا …
نحن من قد تغيّر
⃰⃰⃰⃰
تركنا أطايب هذا البلد
أزقّتنا حين كنّا صغارا
شوارعنا والحقول
كان المكان فسيحا
ملأناه حينا بألعابنا
وحينا بآثار أقدامنا
ملأناه حبّا
ملأناه لهوا
ملأنا الدروب ضجيجا
ملأنا الفضاء غناء وحلما…
وظلّ المكان على حاله
نضيق به ويضيق بنا
وينغلق عن صدى حلمنا